#البحر_بين_الخوف_والتوكل: حكمة في ركوبه وسلامة في خوضه

منذ الأزل، ظل البحر رمزًا للقوة والعظمة، متجليًا في آيات القرآن التي تذكره تسخيرًا ورحمة لعباد الله، وأحيانًا اختبارًا وابتلاءً. فهو باب من أبواب الرزق، وطريق للسفر، ومصدر لجمال لا يُضاهى. ومع ذلك، يظل البحر مجالًا للخوف عند البعض، حيث يُحذّرون من ركوبه خشية الهلاك، فيختلط عندهم الحذر المشروع بالهلع المذموم.

البحر في النصوص الشرعية: بين الإباحة والتحذير

لا شك أن ركوب البحر مباح، بل جعله الله نعمة لعباده، فقال سبحانه: "وهو الذي يُسَيِّرُكُم فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ" (يونس: 22). كما امتنّ به على الإنسان قائلاً: "وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ" (إبراهيم: 32).

لكن في المقابل، جاء النهي عن التهور وركوبه بغير حساب، فقد رُوي عن النبي ﷺ أنه قال: "من ركب البحر عند اضطرابه فمات، فقد برئت منه الذمة" (رواه أحمد وحسنه الألباني). وهذا تحذيرٌ من المخاطرة عند هيجانه، لا تحريمٌ مطلق لركوبه.

الخوف المذموم والحذر المشروع

الخوف من البحر قد يكون أمرًا فطريًا بسبب هيبته واتساعه، لكن إذا تحوّل إلى وسواس يمنع الإنسان من الاستمتاع به أو الاستفادة منه، فإنه يصبح خوفًا مذمومًا. والسلف الصالح لم يكونوا ليخافوا من البحر إلا بحذر العقلاء، بل نجدهم يخوضون أسفاره طلبًا للعلم والتجارة والجهاد، متوكلين على الله، آخذين بالأسباب.

روى التاريخ عن ابن بطوطة، الذي جاب البحار والمحيطات، وواجه العواصف والأهوال، لكنه لم يُثنه ذلك عن الاستمرار، معتمدًا على تدبير الله واحتياطه بوسائل السلامة. وهكذا، لا ينبغي أن يكون الخوف حاجزًا يمنع الإنسان من المغامرة المدروسة، بل يجب أن يكون باعثًا على أخذ الاحتياطات اللازمة.

بين التسليم والتوكل

الذي يُخيفك من البحر دون دليل أو تجربة، هو كمن يُخيفك من السفر بالطائرة لمجرد سماعه عن حوادث نادرة. أما المؤمن العاقل، فهو الذي يُوازن بين التوكل على الله، والأخذ بالأسباب. فلا يُجازف بتهور، ولا يمتنع عن الخير بسبب الخوف.

ولنا في قصة نبي الله نوح عليه السلام عبرة، حين أمره الله ببناء السفينة وسط اليابسة، رغم استهزاء قومه، ثم جاء الطوفان ليُظهر أن النجاة في الأخذ بالأسباب، لا في الجمود والتردد.

كلمة أخيرة لمن يخاف من البحر

إن البحر مدرسة للحياة، يُعلّمنا أن لا نخشَ المجهول، بل نستعد له. يعلّمنا أن لا نُبالغ في التهويل، بل نأخذ بالأسباب. يعلّمنا أن الجمال قد يكون مخيفًا، لكنه ليس مميتًا إلا لمن أهمل الحذر.

فيا من تهاب البحر، لا تدعه يحرمك من متعته، لكن لا تغفل عن احترام قوانينه. خذ العبرة من السفينة، فهي تمخر العباب لا بجرأتها، ولكن بتصميمها المتقن وسيرها المحسوب. توكّل على الله، وكن كأهل الخبرة الذين يركبونه بثقة، دون تهوّر ولا وجل.

"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" (التوبة: 51).

#البحر_بين_الخوف_والتوكل: حكمة في ركوبه وسلامة في خوضه منذ الأزل، ظل البحر رمزًا للقوة والعظمة، متجليًا في آيات القرآن التي تذكره تسخيرًا ورحمة لعباد الله، وأحيانًا اختبارًا وابتلاءً. فهو باب من أبواب الرزق، وطريق للسفر، ومصدر لجمال لا يُضاهى. ومع ذلك، يظل البحر مجالًا للخوف عند البعض، حيث يُحذّرون من ركوبه خشية الهلاك، فيختلط عندهم الحذر المشروع بالهلع المذموم. البحر في النصوص الشرعية: بين الإباحة والتحذير لا شك أن ركوب البحر مباح، بل جعله الله نعمة لعباده، فقال سبحانه: "وهو الذي يُسَيِّرُكُم فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ" (يونس: 22). كما امتنّ به على الإنسان قائلاً: "وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ" (إبراهيم: 32). لكن في المقابل، جاء النهي عن التهور وركوبه بغير حساب، فقد رُوي عن النبي ﷺ أنه قال: "من ركب البحر عند اضطرابه فمات، فقد برئت منه الذمة" (رواه أحمد وحسنه الألباني). وهذا تحذيرٌ من المخاطرة عند هيجانه، لا تحريمٌ مطلق لركوبه. الخوف المذموم والحذر المشروع الخوف من البحر قد يكون أمرًا فطريًا بسبب هيبته واتساعه، لكن إذا تحوّل إلى وسواس يمنع الإنسان من الاستمتاع به أو الاستفادة منه، فإنه يصبح خوفًا مذمومًا. والسلف الصالح لم يكونوا ليخافوا من البحر إلا بحذر العقلاء، بل نجدهم يخوضون أسفاره طلبًا للعلم والتجارة والجهاد، متوكلين على الله، آخذين بالأسباب. روى التاريخ عن ابن بطوطة، الذي جاب البحار والمحيطات، وواجه العواصف والأهوال، لكنه لم يُثنه ذلك عن الاستمرار، معتمدًا على تدبير الله واحتياطه بوسائل السلامة. وهكذا، لا ينبغي أن يكون الخوف حاجزًا يمنع الإنسان من المغامرة المدروسة، بل يجب أن يكون باعثًا على أخذ الاحتياطات اللازمة. بين التسليم والتوكل الذي يُخيفك من البحر دون دليل أو تجربة، هو كمن يُخيفك من السفر بالطائرة لمجرد سماعه عن حوادث نادرة. أما المؤمن العاقل، فهو الذي يُوازن بين التوكل على الله، والأخذ بالأسباب. فلا يُجازف بتهور، ولا يمتنع عن الخير بسبب الخوف. ولنا في قصة نبي الله نوح عليه السلام عبرة، حين أمره الله ببناء السفينة وسط اليابسة، رغم استهزاء قومه، ثم جاء الطوفان ليُظهر أن النجاة في الأخذ بالأسباب، لا في الجمود والتردد. كلمة أخيرة لمن يخاف من البحر إن البحر مدرسة للحياة، يُعلّمنا أن لا نخشَ المجهول، بل نستعد له. يعلّمنا أن لا نُبالغ في التهويل، بل نأخذ بالأسباب. يعلّمنا أن الجمال قد يكون مخيفًا، لكنه ليس مميتًا إلا لمن أهمل الحذر. فيا من تهاب البحر، لا تدعه يحرمك من متعته، لكن لا تغفل عن احترام قوانينه. خذ العبرة من السفينة، فهي تمخر العباب لا بجرأتها، ولكن بتصميمها المتقن وسيرها المحسوب. توكّل على الله، وكن كأهل الخبرة الذين يركبونه بثقة، دون تهوّر ولا وجل. "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" (التوبة: 51).
Like
1
0 Commenti 0 condivisioni 941 Views 0 Anteprima